ما زلت أتذّكر مشاهدتي لفيلم وثائقي عندما كنت طالبًا في المرحلة الثانوية أعده جراح القلب الأمريكي «فرانسيس جروس» تحت مسمى «أوجه الموت»، ولاقى إقبالاً واسعًا من قبل الجماهير ونعته البعض بالجنون، حيث صوّر أغلب أشكال الموت للإنسان والحيوان، وعرض في بعض مقاطع ذلك الفيلم طريقة قتل البقرة بطريقة وحشية ومراسم حفل شرب دم البقر من أفارقة بدائيين وتلذذهم بمنظر نزع الروح، وسلخهم لجلدها وهي حية... إنهم أفراد قبيلة الماساي والتي تعني بالعربية (القبيلة المرقّطة). عندما قمت بتصميم برنامج النادي العلمي الدولي لكينيا وتنزانيا عامي 1422هـ ـ 1423هـ ، وضعت في أحد بنود البرنامج دراسة العادات الاجتماعية لقبيلة الماساي، وقمت بجمع المعلومات من شبكة الإنترنت بمساعدة أعضاء النادي، فبالرغم من وحشيتهم وعيشهم في البراري والأدغال إلا أنهم مسالمون (إلى حد ما) مع السياح الأجانب ويسمحون بزيارة قراهم في الغابات مقابل رسوم مالية بسيطة. كانت زيارة أعضاء النادي الأولى لهم في منطقة تسمى «ماساي مارا» في جنوب غرب كينيا وهي مناطق السافانا الاستوائية الممتدة من محمية «سيرنجيتي» في تنزانيا التي تقدر مساحتها بـ14600 كيلو متر مربع. إن أول من درس عادات هذه القبيلة الكابتن الألماني «موريس ميركر» في أوائل القرن العشرين وكتب كثيرًا عن حياتهم وعاداتهم الاجتماعية وأرجع أصولهم إلى أحد شعوب بني إسرائيل التائهين في الأرض كما في قبيلة الفلاشا في إثيوبيا، ولم يناقش أحد من الأكاديميين هذه الافتراضات لكن أغلبهم لا يعتقدون صحة هذه الفرضية، وإلى الآن لا يعرف أحد أصولهم العرقية. يعتقد أغلب أفراد قبيلة الماساي أن الإله «إنكاري» يعيش على فوهة جبل كلمنجارو البركانية، وأنه قد نزل من السماء وأنزل الأبقار معه ووهبها لأفراد هذه القبيلة، لذا يمكن فهم العلاقة الوثيقة بين أفراد قبيلة الماساي والأبقار كنوع من الاعتقادات الدينية. يمكن تصنيف الذكور في القبيلة إلى ثلاث فئات وهي الأولاد والمحاربون والمسنون. وتتم مراسم الختان للذكور بين سن الثامنة عشرة والعشرين حيث يتم جمع ما بين 3 إلى7 أفراد معًا، ويتم ختانهم جميعًا ثم يخرجون إلى الأدغال ويلبسون ملابس سوداء ويلطخون أوجههم بأصباغ بيضاء لتعريف أفراد القبيلة بأنهم قد دخلوا إلى فئة عمرية أخرى وهي فئة المحاربين. تتميز فئة المحاربين باللبس الأحمر، والشعور المسترسلة الطويلة ويتقنون استخدام الرماح الطويلة، والأسهم والأسلحة الحجرية ولا يهابون الموت. لقد حاربت هذه الشريحة الاستعمار البريطاني خلال الفترة بين عامي (1904م ـ 1913م) ولم يرضخوا لحكامهم الجدد، وأثاروا الكثير من المشكلات الأمنية للبريطانيين ودخلوا في حروب غير متكافئة إطلاقًا، بين الرماح والسهام البدائية من جهة، والمدافع الرشاشة الآلية من جهة أخرى، فقد دارت معركة في منطقة بحيرة «نيفاشا»، أبيد جيش ضخم غير منظم من قبيلة الماساي زاد على 3000 قتيل، ولم يقتل إلا جندي بريطاني واحد كما تشير بعض المصادر التاريخية. لقد نقل المستعمر الأبيض مرضًا معديًا لهم وهو مرض«الحمى الصفراء» كما نفقت الكثير من قطعان الماشية والأبقار وتفشت الأوبئة و المجاعة بينهم، وبالتالي انكسرت شوكتهم بعد أن كانوا في ذروة قوتهم في منتصف القرن التاسع عشر. بقيت الشريحة الثالثة من قبيلة الماساي وهم فئة المسنين الذين يحظون بتقدير من أفراد القبيلة لخبراتهم الطويلة في الحياة وحكمتهم، أما النساء فيحظين بمكانة المسنين الاجتماعية نفسها. كان في استقبال أعضاء النادي العلمي السعودي زعيم القبيلة الذي يتميز عن غيره بارتداء قبعة من لباد الأسد(كما هو في كينيا) أو وضع قناع ريش النعام الأسود على الوجه (كما في تنزانيا) للدلالة على مكانته الاجتماعية وشجاعته ونفوذه. يميز نساء هذه القبيلة الحلي المصنوعة من الخرز على شكل حلقات بيضاء توضع على الرقبة، كما أنهن حليقات الرأس وحافيات الأقدام وآذانهنّ مثقوبة من الصيوان. كانت طريقة ترحيبهنّ بأعضاء النادي رقصًا فلكلوريًا على شكل نصف دائري، حيث تخرج امرأتان من طرفي القوس لتلتقيا في منتصف المسافة وتضربا الأرض بقوة بأهازيج متقطعة تعبر عن سعادتهن لهذه الزيارة. أما محاربو القبيلة فكانوا يرقصون «رقصة الحرب الشهيرة» وهي عبارة عن تجمع قوسي حيث يقفزون عاليًا محدثين دويًا على الأرض بتمتمات غير مفهومة و«مخيفة إلى حد ما» كنوع من إظهار الرجولة، وقد يسقط بعضهم صرعًا كما في رقصة «الزار» عند بعض القبائل العربية. يرتدي محاربو القبيلة الرداء الأحمر وهناك عدة تفسيرات قيلت في ذلك، فمنها تميزهم عن أفراد القبائل الإفريقية الأخرى، أو لإخافة الحيوانات الضارية في الغابات أو لتغطية لون الدم في حال هجوم أحد الحيوانات المتوحشة، أو لتميزهم بسهولة في البراري والأدغال. تتميز قرية الماساي بوجود سور خارجي من أغصان الأشجار الشائكة لحماية القرية من الحيوانات الضارية ولها مدخل واحد. وتتناثر الأكواخ على محيط السور الدائري وفي الوسط يتم جمع الأبقار معًا. تحتوي القرية من الداخل على عدد من الأكواخ البدائية مبنية من القش وروث البقر والتي تجمع من أرضية الحظيرة المركزية وتقوم النساء ببنائها عادة، ومتوسط طول ضلع الكوخ حوالي 7 أمتار و ليس لها منافذ تهوية حيث تنام العائلة داخل هذا الكوخ مع الأبقار التي لا تسعها الحظيرة المركزية ورائحة تلك الأكواخ منتنة جدًا بسبب بول وبراز الأبقار. لا يستحم الرجال إلا نادرًا وذلك عند تجمعات مياه الأمطار أو الأنهار ويشربون من تلك المياه غير النظيفة. يعتمد رجال القبيلة على النساء في إعداد الطعام وجلب الحطب، ويشعلون النار عن طريق حّك غصنين جافّين وإشعال قش ونفخه ولا يعرفون طريقة الإشعال بالكبريت. أما مراسم شرب دم البقر فيتم عن طريق إطلاق سهم على عرق في رقبة البقرة ويجمعون الدم في وعاء خشبي ويخلطونه مع الحليب ويصبح كوكتيلاً غنيًا بالبروتين والحديد والكالسيوم وهو شراب تقليدي لديهم. من العادات الاجتماعية الغريبة أنهم قد يزوجون الفتيات قبل ولادتهن، كما يحق للرجل أن يتزوج إلى عشر زوجات معتمدًا على عدد الأبقار التى يملكها. ولعل كثرة الزيجات لها سبب ما يبررها وهو كثرة الحروب القبلية بينهم وبين القبائل الإفريقية الأخرى مثل قبيلة «الكيكيويو» الذين يمثلون 20% من سكان كينيا. إنهم قبيلة متخلفة عن ركب الحضارة التقنية، ويعلمون هذا ويتقبلونه ويرفضون تغيير نمط معيشتهم، لذا لا يمكنهم أن يوظفوا أو يداروا أو يحكموا أو أن يعملوا في غير رعي الأبقار والماشية. لقد أوجز عضو النادي العلمي عبدالله رضا رضوان، من ثانوية ابن حيان بينبع الصناعية الذي يحفظ كتاب الله كاملاً عندما سئل في تلفزيون القناة الأولى عن انطباعه بعد زيارته لقرية قبيلة الماساي، فقال «لقد استشعرنا سماحة وعظمة الدين الإسلامي في تهذيب النفوس والأخلاق». *مدير النادي العلمي السعودي.
"Khaled"