تاريخ البهارات
يرجع تاريخ استخدام التوابل وتجارتها إلى عهود قديمة ، حيث تشير المخطوطات الهيروغليفية التي وجدت في الأهرامات المصرية إلى أن العمال الذين قاموا ببناء تلك الأهرامات كانوا يتناولون البصل والثوم لتعضيد قوتهم وطاقاتهم الجسمانية . وهناك رواية دينية تاريخية أخرى (من الروايات الاسرائيلية وقال بها بعض المفسرين) تدل على قدم تاريخ التوابل في الحياة البشرية، ففي قصة سيدنا يوسف عليه السلام ورد أن الذين التقطوا يوسف عليه السلام بعد أن تخلص منه إخوته كانوا ضمن قافلة لتجارة التوابل متجهة صوب مصر . وكانت للتوابل قيمة تاريخية كبرى لدى قدماء الملوك والرياضيين والأثرياء ، فقد ورد في رواية اسرائيلية أيضا أن ملكة سبأ كانت قد أرسلت هدية إلى الملك سليمان وأهم ما أحتوته كانت التوابل ، إضافة إلى الذهب والأحجار الكريمة . وتضيف إحدى الروايات التاريخية اليونانية أن الرياضيين الذين حققوا النصر في أول ألعاب أولمبية تجري في اليونان عام 1453 ق . م كانوا احتفلوا بنصرهم ذلك بارتداء أكاليل من الزهور والبقدونس . ودخلت التوابل إلى جانب الأعشاب في تصنيع الأدوية الطبية منذ أمد بعيد ، ففي العام 400 ق. م قام الأطباء اليونانيون بإعداد قائمة تحتوي على 400 نوع من الأدوية المصنعة من التوابل والأعشاب ، والتي ما زلنا نستخدم نصفها حتى يومنا هذا . كما اكتسبت تجارة التوابل أهمية قصوى ، وكانت عاملاً من العوامل المهمة التي قادت إلى اكتشاف المزيد من الأراضي والطرق التجارية ، إضافة إلى دخولها المعترك السياسي،كأحد عوامل النزاع الاقتصادي السياسي في العصور الأولى . وقد سيطر الرومان خلال الفترة من العام 200 ق . م إلى عالم 1200 م على تجارة التوابل ، وكانت رحلة تجارة التوابل آنذاك تستغرق عامين كاملين تقضيها السفن التجارية في الإبحار من مصر إلى الهند ، وكانت بحق رحلات صعبة ومليئة بالمخاطر . وخلال تلك الفترة كان بمقدور الأغنياء فقط الحصول على ما يبتغونه من توابل ،والتي كانت توضع من حيث القيمة في مرتبة واحدة مع الذهب . وكتعبير عن قيمة التوابل لدى الرومان قاموا بحرق مخزون عام كامل من القرفة عام 65 م كجزء من مراسم تشييع زوجة الأمبراطور "نيرو " . ويعتبر طريق سمرقند الذهبي من أقدم طرق تجارة التوابل وأكثرها شهرة في الحقبات التاريخية. وكان ذلك الطريق يعبر صحراء جنوب آسيا ماراً بممالك الشرق الأوسط القديمة ، ورابطاً بين الشرق الأدنى وأفريقيا ، مما أعطى العرب فرصة القيام بمهمة الوسيط التجاري ، حيث كانوا يجلبون المنتجات من دول أفريقيا ويبيعونها إلى التجار القادمين من الشرق الأقصى ، ويتبادلون معهم البضائع القادمة من هناك ويأخذونها معهم في رحلة العودة إلى الدول الإفريقية ، وهكذا كانت تتم عملية التبادل التجاري . ومع التطور الثقافي في أوروبا خلال العصور الوسطى ازداد الطلب على تجارة التوابل ، وكانت التوابل القيّمة آنذاك تأتي من الصين والهند والجزر الأندونسية . وكانت طرق التوابل أحد الدوافع الرئيسة وراء تفكير الأوروبيين في اكتشاف طرق جديدة، ففي عام 1498م لما وجد البرتغاليون أن أسعار التوابل في الأسواق التقليدية بدأت في الارتفاع ، شرعوا على الفور في البحث عن طرق تجارية جديدة ، تمكنهم من جلب التوابل من مصادر أرخص . وعندما قام الرّحالة البرتغالي "فاسكو دي جاما" برحلته حول الشواطيء الأفريقية عاد بأطنان من الفلفل والقرفة والجنزبيل والمجوهرات ،وحين وصل الكولمبي "كريستوفر كولمبس " إلى أمريكا عام 1492م باحثاً عن طريق مباشر إلى جزر التوابل عاد إلىموطنه الأصلي ومعه كميات كبيرة من الفلفل الحلو والفانيليا والفلفل الأحمر. ومع نمو الطبقة الوسطى أبان عصر النهضة وازدياد شعبية التوابل ، ظهرت على السطح بوادر صراع للسيطرة على تلك التجارة الواعدة ، ونشبت الحرب بين البلدان الأوربية حول جزر التوابل الأندونيسية ، واستمرت تلك الحرب نحو 200 عام ، ودخلت أسبانيا وإنجلترا والبرتغال وهولندا كأطراف في ذلك الصراع في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلادي ، وفي إطار ذلك الصراع المحتدم تمكنت الملكة البريطانية اليزابيث الأولى عام 1600م من السيطرة على تجارة التوابل في الهند عن طريق الشركة البريطانية الهندية . وبحلول القرن السابع عشر دخل الأمريكيون بدورهم أيضاً كطرف مهم في مجال تجارة التوابل ، وخلال الـ90 عاما التي أعقبت رحلة القبطان "جانتان كارنس" عام 1797م وحقق فيها عائدا بلغت أرباحه 700 % من تجارته في التوابل أبحرت أكثر من ألف سفينة أمريكية حول شواطيء آسيا والهند بغرض الاتجار في التوابل ، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية حالياً أكبر مستوردي التوابل في العالم تليها ألمانيا واليابان وفرنسا .
"Khaled"